الاثنين، 25 أبريل 2011
اسق حديقة فلان
 نصّ الحديث 
عن  أبي هريرة  رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :   ( بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ،  فتنحّى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءه في حَرّة ، فإذا شَرجةٌ من تلك الشراج قد  استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبّع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء  بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ، ما اسمك ؟ ، قال : فلان ، للاسم الذي  سمع في السحابة ، فقال له : يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ ، فقال :  إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه ، يقول : اسق حديقة فلان - لاسمك -  ، فما تصنع فيها ؟ ، قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ،  فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه )  رواه  مسلم  .
  معاني المفردات 
بينا رجل : بينما رجل
بفلاة : الأرض الواسعة أو الصحراء
في حرة : هي الأرض التي تكثر بها الحجارة السوداء
شرجة من تلك الشراج : قنوات الماء
بمسحاته : أداة من أدوات الزراعة وهي المجرفة
  تفاصيل القصّة 
قد  بيدو للناظرين إلى ظواهر الأمور أن يد الخير المبذولة إلى الفقراء ،  والعطوفة على المساكين ، ما هي إلا صورة من تبديد الثروات ، وتضييع  المدّخرات ، وسببٌ في نقص رؤوس الأموال .
تلك  هي النظرة بالمقاييس المادّية المحضة ، ولكنّ الشريعة الإلهيّة تقول شيئاً  آخر ، فالإنفاق وسيلةٌ لنماء المال ، وحلول البركة فيه ، كحال من يبذر  الحبّة في الأرض ، سرعان ما تنمو وتكبر حتى تصبح شجرةً باسقة ، يانعةً  مثمرة .
ولا  يزال لطف الله بأوليائه وعباده المستبقين إلى الخيرات ، يصرف عنهم البلاء ،  ويوسّع عليهم الأرزاق ، ويسوق إليهم الخيرات ، ويحظون بتوفيق الله وبنعمته  ، ومن كان في كنف الإله ورعايته فأنّى له أن يضيع ؟ .
وشاهد  الصدق على ذلك ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي يُخبر عن مزارع صالح ،  برزت فيه صفات الكرم وجوانب السّخاء في وقتٍ عزّت فيه معاني الجود ، ليقهر  الطبيعة البشريّة القائمة على الشحِّ والإمساك ويتخطّاها في سموٍّ إيمانيّ  رفيع .
كان  هذا الرجل يسير في الصحراء ، حيث يندر الماء ويقلّ الزرع ، وبينما هو كذلك  إذ سمع صوتاً يقول : " اسق حديقة فلان بن فلان ! " ، فتعجّب الرّجل لما  سمعه ، فالأرض خالية من البشرّ ، ثم أدرك أن الصوت صادرٌ من السحابة التي  تعلوه ، فازداد عجباً وإصراراً على استكشاف السبب .
وانطلق  الرّجل خلف السحابة ليعرف مستقرّها ، حتى وقفت فوق أرض تكثر عليها الحجارة  السوداء ، يُقال عنها : " الحرّة " ، ثم نزل المطر بغزارة ، وجرى الماء  حتى انتهى إلى حديقة ، وفيها فلاحٌ قائم ، يوزّع الماء ويوجّهه .
اتّجه  الرجل إلى الفلاح وسأله عن اسمه ، فكان ذات الاسم الذي سمعه في السحابة ،  وكان من الطبيعي أن يستغرب صاحب الحديقة من السؤال فبادره قائلا : " يا عبد  الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ " ، فقصّ عليه الرّجل ما سمعه ورآه من شأن  السحابة ، ثم بيّن له عظيم شوقه لمعرفة سرّ التوفيق الإلهيّ والعناية  الرّبانيّة التي حظي بها .
وتأتي  الإجابة لتظهر الحقيقة وتكشف الغموض ، فالحال أن صاحب الحديقة كان ينظر  إلى حصاد مزرعته فيقسمه ثلاثة أجزاء : جزء يتصدّق به على الفقراء والمساكين  ، وآخر يجعله قوتاً له ولعياله ، وثالث يردّه إلى الأرض .
  وقفات مع القصّة
هذا  القبس من مشكاة النبوة ، يأتي مبيّناً فضل الصدقة وقدرها عند الله سبحانه  وتعالى ، كونها صورة من صور التكافل الإنسانيّ ودليلاً على يقظة الضمير ،  والشعور بالواجب ، والإحساس بالمسؤولية نحو الآخرين ، ما يزيد من لُحمة  المجتمع وتماسكه .
وإذا  كان هذا الرّجل الصالح قد نال من خير تلك السحابة وبركاتها ، فتلك عاجل  بشراه في الدنيا ، أما في الآخرة فما أعدّه الله له من ألوان الكرامة أعظم  وأعظم .
ومن  دلالات القصّة أن الإنفاق على المحتاجين وتفريج كرب المسلمين هي تجارة  عظيمة مع الله سبحانه وتعالى لا يخسر صاحبها أبداً ، لتفضّل الكريم سبحانه  وتعالى على عباده المنفقين بالبركة والنماء ، والخُلف في المال ، وجعل  الإنفاق سبباً من أسباب الرزق ، وشاهد ذلك قوله تعالى : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين }  ( سبأ : 39 ) ، وقوله في الحديث القدسيّ :  ( يا بن آدم أَنفق أُنفق عليك )  متفق عليه .
وفي  القصّة أيضاً ، الإشارة إلى قيمة العمل ومكانته عند المسلم ، فالرّجل ما  اعتزل الدنيا أو تركها وراء ظهره ، ولكنّه جدّ واجتهد ، وبذل الأسباب ،  وسعى وراء الرّزق ، ثم تصدّق بماله ، وهذا هو حال الأمّة العاملة ، تبني  وتشيد ، وتجد وتسعى ، حتى تنال مكانتها بين الأمم .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 المشاركات
المشاركات
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق