- · وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مبِينًا
- · يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
الاثنين، 8 أغسطس 2011
الغلو في الدين أو التطرف
بسم الله الرحمن الرحيم
الغلو في الدين أو التطرف
معنى الغلو
مجاوزة الحد ، والحد هو النصُّ الشرعي ، كلام الله عزَّ وجلَّ ، وما صح من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأن يُفهم هذا النص وفق قواعد علم الأصول
والغلو مصطلح ورد في القرآن الكريم في موضعين :
وورد في السنة المطهرة في حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إياكم والغلوَّ في الدين ! فإنه أهلك من كان قبلكم ،
كيف يبحث الفقهاء
وإذا بحث الفقيه في مسألة من مسائل الدين ، فهو يجمع النصوص القرآنية والنبويّة فيها ، ويؤلف بينها على وجه لا يغلب بعضها على بعض ، ولا يأخذ نصاً ويهمل غيره ، ولا يأخذ فقرة من نصٍّ ويُهمل بقية الفقرات .
كيف يبحث الغلاة
أما الغلاة المتهورون فيضربون بعض النصوص ببعض ، أو يأخذون نصاً يُلائم غلوَّهم يُسلِّطون عليه الأضواء ، ويُعَتِّمون على نصٍّ آحر ، ينقض غلوهم ، فالآيات التي يمكن أن تغطي غلوَّهم ، يشدُّونها عن طريق التأويل المتكلف إلى ما يوافق أهواءهم ، والآيات التي تناقض غلوهم يغفلون ذكرها ، وإذا ذُكَّروا بها صرفوها إلى غير المعنى الذي أراده الله .
أمّا فيما يتعلق بالأحاديث الشريفة ، فهم يقبلون الضعيف ، بل الموضوع ، إذا غطّى غلوهم ويُعرضون عن الحسن ، بل الصحيح إذا فضح انحرافهم .
ثم إنهم ـ فيما سوى القرآن والسنة ـ يقبلون كل قولٍ يدعم غلوهم متجاوزين القاعدة المنهجية :
" إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإذا كنت مدَّعياً فالدليل " ويرفضون كل قول ليس في جانبهم ولو دعمه أقوى دليل.
إنهم يتخيَّرون من النصوص مّا يعجبهم ، فهم ـ وهذا حالهم ـ من أهل الرأي ، الذين تحَكَّموا بالنصّ ولم يحتَكِموا إليه ، واعتقدوا ثم استدلوا ، وهذا انحراف خطير ، والصواب أن يستدلوا ثم يعتقدوا
أنواع الغلو
والغلوُّ نوعان : وقد أشار إلى هذين النوعين من الغلّو الإمام الشاطبي في " موافقاته " .
الغلو الاعتقادي
وهو أن الغلاة يعتقدون فيمّا هو جزء من الدين أنه الدين كلّه
وغلاة كلّ فرع من فروع الدين ، يُحلُّون هذا الفرع محلَّ الأصل ، وينظرون إلى من عُني ببقية فروع الدين نظرة ازدراءٍ وإشفاق ،
ولا يخفى أن من كليات الدين الجانب الاعتقادي ، والجانب السلوكي ، والجانب النفسي ، وحينما تحلُّ كلية من هذه الكليات محلَّ الدين كلّه ، فهذا غلو وأي غلو ... هذا من جهة . ومن جهة أخرى ، فإن تضخيم الفرع في الدين ليحلَّ محلَّ الأصل غلوٌّ في الدين أيضاً .. وأي غلو
الغلو العملي
فحينما يقع الإنسان فريسة وساوسه المتسلطة ، فيظن أنه بمفرده يستطيع أن يرفع المعاناة عن الأمة كلها بعمل غير مشروع في منهج الله
وحينما يتجاوز في عبادته الحد الذي شرَّعه الله فيهمل عمله ويهمل أسرته ، وبهذا يختل توازنه ، ولا يحقق الهدف الأمثل من تدينه ...
الغلو الأخطر
ولا شك أن الغلو الاعتقادي هو الأخطر ، لأن صاحبه لايرجع عنه ، إذ يعتقد أنه على صواب فهو لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، وإن اعتماد القوة وحدها ، والحلول الأمنية وحدها ، في معالجة هذا النوع من الغلو لا يحقق الهدف ، ما لم يكن مصحوباً بدرجة عالية من الاستماع الجيد إلى المغالي ، وتفهم دقيق لرأيه ، ومراعاة لدوافعه وجراحاته ، وإقناعه بدل قمعه ، فالقوة لاتصنع الحق ، ولكن الحق يصنع القوة ، والقوة من دون حكمة تدمر صاحبها.
ولأن هذا النوع من الغلو افترقت منه الفِرق ، وبزغت عنده الأهواء ، واختلفت فيه العقول ، وتباعدت من أجله القلوب ، وسالت من تداعياته الدماء ، قال تعالى :
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
أسباب الغلو
وأسباب الغلو كثيرة ، ومن أبرزها
الجهل
وهو : عدم معرفة حكم الله جلّ وعلا ، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، فقد يكون المغالي معظماً للحرمات ، غيوراً على دين الله ، فإذا رأى إنساناً متلبساً بمعصية ، لم يطق ، أو لم يتصور أن هذا الشخص مسلم ، أو أن ذنبه يمكن أن يُغفر ، لذلك يتهمه بالكفر والخروج من الدين . وقد تكون له محبة لرجل صالح ، وأصل هذه المحبة مشروع في الدين ، لكن هذه المحبة زادت وطغت بسبب الجهل حتى وصلت إلى درجة الغلو الذي رفع هذا الإنسان فوق منزلته ؛ واتهم كل من لم يقره على هذا الغلو بالكفر والفسق . وقد يكون الجهل جهلاً بالدليل لعدم معرفته أو لعدم الاطلاع عليه ، وقد يكون جهلاً بالاستنباط ، أو جهلاً بقواعد اللغة العربية .
والجهل أسهلُ أسبابِ الغلو معالجةً ، ولا سيما إذا كان المغالي بريئاً من الهوى ، والنزعات الشريرة ، فالجهل يزول بالعلم .. ففي عهد عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد ناظر الخوارج وحاورهم ، فرجع منهم ما يزيد عن ألفي إنسان في مجلس واحد .
الهوى
الذي يجر صاحبه إلى التعسف في التأويل ، وردّ النصوص الصحيحة ، وقد يكون الهوى لغرض دنيوي من طلب الرئاسة أو الشهرة أو نحوهما ، وقد يكون المغالي بعيداً عن هذه المطالب ، ولكن الانحراف سبق إلى عقله وقلبه واستقر فيهما ، وتعمَّق جذوره ، وترسخأصوله ، وكما قيل :
أتاني هواها قبل أن أعرفَ الهوى ... فصادف قلباً فارغاً فتمكَّنا
وحينئذ يَعِزُّ على المغالي أن يتخلى من غلوه ، وأن يقرَّ على نفسه أنه كان متحمساً للباطل ، مناوئاً للحق ، فيتشبث بباطله ويلتمس له الأدلة الضعيفة الواهية من هنا وهناك . لذلك قيل : تعلَّموا قبل أن ترأسوا ، فإن ترأستم فلن تعلموا .
وقد يكون الهوى بسبب نفسية مريضة معتلَّة منحرفة ، تميل إلى الحدة والعنف ، والعسف في آرائها ومواقفها ، وتنظر دائماً إلى الجانب السلبي والمظلم للآخرين .. وقد يتصف صاحبها بالعلو والفوقية ، من دون أن يشعر بذلك ، فضلاً عن أن يعترف به . فإذا التقى الأشخاص أو قرأ كتبهم ، فليبحث عن نقاط ضعفهم ، مغفلاً النواحي الإيجابية التي يتمتعون بها ، وعندها تتبخَّر ثقته بالعلماء العاملين ، والدعاة المخلصين ، و يبتعد عنهم ويستقل بنفسه ورأيه ، فينتج عن هذا الشذوذ في الآراء والمواقف والتصورات ، ثم في السلوك .
غلو الطرف الآخر
فالذين يجرُّون المجتمعات الإسلامية إلى الفساد ، والإباحية ، و إلى الانحلال الخلقي ، وينتهكون الحرمات، ويستخفون بالثوابت ، ويدنسون المقدسات هم في الحقيقة من المتسببين في حدوث الغلو ، وإن أعلنوا الحرب عليه .. فمظاهر الاباحية والانحلال في المدرسة والجامعة والشارع والشاطئ والمتجر والحديقة وفي وسائل الإعلام ؛ إذا أقرَّها المجتمع وسكت عنها ، أو شجعها ودعمها وحماها ، فإن هذا المجتمع عليه أن يستعد للتعامل مع أنماط كثيرة من الغلو .
تصنيف الغلو
وقبل أن نبحث عن الحلول الفعَّالة للقضاء على الغلو .. يجب أن نفرِّق بين
غلو حقيقي
وهو مجاوزة للحدِّ الشرعي ، وانحراف عن سواء السبيل
غلو موهوم
في رأس أعداء الدين .. فهم يصفون المؤمنين الملتزمين بالأصولية والتقوقع تارة ، وبالتطرف والتزمت تارة أخرى .. وهم في الحقيقة يدعون بإخلاص إلى الله تعالى ، وإلى دينه ، وإلى تحكيم شريعته ، والعمل بكتابه وسنة نبيه .
معالجة الغلو
ولا سبيل إلى القضاء على الغلو الحقيقي في الدين .. إلا بتمكين العلماء الربانيين العاملين المخلصين من القيام بواجبهم في الدعوة إلى الله ، وَفقَ أُسس صحيحة متوازنة ، ومن خلال رؤية صافية لحقيقة الدين الحنيف ، وباساليب نابعة من الكتاب والسنّة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق